الأربعاء، 29 أبريل 2009

رسالة مفتوحة الى المرجعية الدينية والحكومة الوطنية في العراق




بدءا لا اريد ان اصنف نفسي وفقا للتطيّف السائد حاليا في العراق لانني ورغم اعتزازي بعراقيتي الا أن ظروف اقامتي خارج العراق ابعدتني عن جو التطيّف العرقي والديني السائد في بلدي فلا انا اسلامي ولا انا علماني وحسبي انني اؤدي الفرائض واحسن الظن بالجميع فخلال سني حياتنا خارج الوطن كنا ابناء المهجر اخوة متحابون نسعى لتحصيل ارزاقنا وتجمعنا مجالس السمر بين الحين والحين فتكون معاناة الوطن أكبر همنا وتنشق عبير ذكرياته فاكهة مجالسنا حتى لامست اقدامي تراب الوطن من جديد فارعبني حال البلد واهله.
ولضيق المقام سأقتصر على مناقشة حالة واحدة آملا ان يتسع المقام مستقبلا لمناقشة ما عداها.
الحالة التي اود مناقشتها وادعو أخواني من مثقفين وسياسيين ومهتمين بالشأن الوطني الى مساندة دعوتي لعل المولى يوفقنا للمضي في مشروع وطني يستهدف تطهير تاريخ العراق بالقضاء على آفة الفساد التي نخرت جسده ومؤسساته الحكومية والمهم في مسيرة الالف ميل هو وضع الخطوة الاولى لنخرج بلدنا من قائمة الدول الفاسدة ونضعه حيث يليق بعمره الطويل ومقامه عبر التاريخ وهذا أقل الواجب الذي نؤديه تجاهه.
لقد أوشك عمر الحكومة الوطنية على الانتهاء ووقفنا على اعتاب أستحقاق أنتخابي جديد ولن تجدي دعوات بعض القوى السياسية في اطالة عمر المريض عاما آخرا بعد ان توقفت اغلب اعضائه الحيوية عن العمل ، ولكن وكحال اغلب من يصيبهم الاحتضار بامكان مريضنا ان ينجز آخر اعمال الخير في حياته وهو التبرع بأعضائه ليهب الحياة لمن يحتاجونها وهذا ما نأمله من الحكومة الحالية التي تصرمت ايامها فالتاريخ يسجّل ولن تمحى وصمة الفساد التي لحقت بالحكومة الحالية مالم يقف الجميع امام التزاماتهم التاريخية.
على أن المرجعية الدينية هي الجهة الاكثر جدارة بالتصدي لهذه المهمة وعليها يقع القسم الأهّم من المسؤولية في الدعوة لفتح ملف الفساد في مؤسسات الدولة لسبب بسيط هو أن معظم المتصدين لادارة شؤون الدولة محسوبون على المرجعية الدينية وعلى الخصوص المرجعية العليا المتمثلة بآية الله السيد السيستاني (حفظه الله).
الائتلاف العراقي الموحد الكتلة الاكبر برلمانيا هي الكتلة التي تم تشكيلها بمباركة المرجعية العليا والتي حصلت على العدد الاكبر من اصوات الناخبين بسبب تلك المباركة وقامت هذه الكتلة بمهمة تشكيل الحكومة الوطنية فضلا عن أن اغلب مكوناتها تحسب نفسها (بشكل أخص) على تلك المرجعية فليس بخاف على أحد وأن حاول التنصل أن كتلة مستقلون معروفة في الاوساط السياسية بانها كتلة مكتب السيد السيستاني والغريب في الامر أن بيد تلك الكتلة أكثر الوزارات فسادا كوزارة الصحة والنفط والكهرباء والعمل ويمثلها في البرلمان كتلة كبيرة يترأسها النائب الاول لرئيس مجلس النواب والذي يعد احد ابرز الشخصيات التي ادت الى تراجع عمل المجلس وتعطيل دوره الرقابي الفاعل وأعاق هو والوزير المنتمي لكتلته والقريب نسبا وسببا من وكلاء المرجعية العليا في كربلاء والبصرة السيد صفاء الدين الصافي أستجواب المسؤولين المذكورين اضافة الى عدد اخر من المسؤولين الفاسدين في الحكومة كوزير التجارة وغيره.
ولانحتاج لدليل للربط بين قائمة شهيد المحراب (بمكوناتها) وبين المرجعية العليا لان الصور التي تملأ المحافظات وعليها الاية الكريمة "ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض..." خير دليل على ذلك وبيد القائمة عدد آخر من الوزارات المتهمة بالفساد.. بل وحتى اتباع السيد الصرخي ركبوا الموجة وحسبوا انفسهم على المرجعية العليا والصور التي تحمل عبارة (المرجع مع استاذيه) خير شاهد ودليل على ذلك .
ولا اريد ان استطرد في هذا الموضوع لاني لا اريد ان اصرف الانتباه عن صلب الموضوع فصحيح جدا ان كثيرا من الناس يحسبون انفسهم على المرجعية الدينية من دون استئذان ولكن صحيح ايضا ان المرجعية الدينية وفرت الغطاء الشرعي لعدد من الكتل والشخصيات السياسية الحاكمة الان واضفت عبر سكوتها أو عبر وكلائها (حيث قام بعض وكلائها بترشيح اقرب اقاربهم ضمن قوائم الانتخابات المحلية لتلك الاحزاب) نوعا من الشرعية على عمل تلك الكتل وكل ذلك موثق ومعروف ولكني أقول ان الاجيال القادمة لن تقرأ التبريرات التي قد يتعلل بها بعض من يدير مكاتب المرجعية واعلانهم البراءة من تلك الكتل السياسية وسيصيب المقام المقدس والطاهر للمرجعية الدينية بعضا من ذلك الشرر وهذا مما لا يليق بمقامها وليس هذا جزاء الاحسان الذي أسدته المرجعية لأبنائها وحفظت به ارواح واعراض ملايين العراقيين واعانتهم بالنصح تارة وبترهيب اعدائهم طورا حتى استعاد العراق عافيته واستقام على الطريق لذلك فان تاريخ المرجعية امام تحد كبير وهو دفع الشبهات التي لحقت به وذلك عن طريق الاصرار والمطالبة بل وأجبار الحكومة على فتح التحقيق في ملفات الفساد في جميع الوزارات ومؤسسات الدولة حتى ولو أقتضى الأمر التضحية بكل الشخصيات التي حسبت نفسها عليها عملا بالحديث المشهور (لو ان فاطمة سرقت لقطعت يدها) لأن مقام المرجعية العليا اكبر من كل الاشخاص والمسميات مهما كانت صلة قرابتهم او نوع علاقتهم بسماحة المرجع بل ان المنطق والعقل يحكمان بضرورة أن تقوم المرجعية العليا بالمطالبة بأن تكون اولى المؤسسات التي تفتح ملفاتها هي المؤسسات التي يديرها من يحسبون انفسهم على المرجعية كي يدفعوا ثمن ادعائهم أو يبرؤا ساحتهم.
أن تراجع عدد الناخبين في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة (*) في المناطق التي ترجع في ولائها للمرجعية الدينية هو دليل حي على نبذ الناس للقيادات السياسية التي صوتوا لها سابقا ويأسهم مما في أيديهم وهو رسالة احتجاج صامتة مرمية على اعتاب مكتب السيد المرجع الاعلى (حفظه الله) بأن الفتوى قد لا تجدي في توجيه الناخبين نحو مراكز الاقتراع مستقبلا والسبب معلوم لدى الجميع -كما أرجو- فهل ستضحي المرجعية بالعراق وبمصالح أبنائها أم تشهر سيف الحزم بوجه المحسوبين عليها وتطالبهم بالخضوع للحساب؟
واذا كانت المرجعية العليا هي المسؤول الأهم في انجاز تلك المهمة فأن السيد رئيس الوزراء هو المسؤول الاول عن هذا الموضوع الخطير لأنه شاء أم أبى فأن حكومته قد دخلت سجل التاريخ وليس من مصلحته الشخصية ولا من مصلحة حزبه وكتلته التقاعس عن الوفاء بالتزاماته تجاه ملف الفساد وعليه ان يراجع حساباته ولا يعول كثيرا على احتمال تجديد تكليفه بمسؤولية رئاسة الحكومة لأنها وعلى فرض حدوثها لن تجدي نفعا اذا ما سكت عن شبهة الفساد في وزارته الحالية وسيبقى متهما في ولايته الاولى مالم يدرأها.
لقد روجت الاحزاب السياسية الحاكمة تهم الفساد تجاه بعضها البعض أملا في تلميع صورتها وتسقيط منافسيها سياسيا لكن ماذا كانت النتيجة؟
الشبهة لحقت بالجميع ولم ينج منها أحد ولعل أحد المتكسبين بالقلم والمتزلفين للسلطان (اطلق على نفسه اسم عبد الله المخزومي) وعبر كتيب متهافت اراد ان يظهر رئيس الوزراء كراع للنزاهة والعدالة من خلال أتهام الاخرين بالفساد فماذا كانت النتيجة؟
دولة السيد رئيس الوزراء المحترم ما هكذا تورد الابل! ولن ترضى لنفسك كما لا ارضى لك ولسائر قادة العراق الجديد من حزبك او من الاحزاب السياسية الاخرى ان يذكر التاريخ حكومتك على انها اكثر حكومات العالم فسادا ولو انك ملأت الدنيا بمؤلفات ككتاب المخزومي فلن يغيّر من الامر شيئا ولن يترك التاريخ تقارير الشفافية الدولية والصحافة العالمية الرصينة ومنظمات الامم المتحدة ليطالع كتاب المخزومي وسرعان ما ستأكله الأرضة كما اكلت صحيفة المقاطعة في مكة فما انتم فاعلون؟ وبدل ان تعيق استجواب الفاسدين في حكومتك فتحسب شريكا لهم لن يجديك الا تقديمهم للحساب وامام مجلس النواب حصرا ليبرأهم أو يدينهم وهذا فقط ما سيذكره لك التاريخ ويثيبك عليه وحسبك أن لا يكون الالاف من شهداء الحركة الاسلامية والوطنية خصماؤك يوم القيامة.
أقول للنخب الواعية والمثقفة والتي يهمها امر العراق وأنا احسب نفسي منهم أنه أذا ما قصّر الجميع في النهوض بمسؤولياته تجاه البلد فهي الاشارة لنا للنهوض بمسؤولياتنا لنوقف انتهاك تاريخ العراق وحاضره ومستقبله وأذا لم تسجب المرجعية الدينية والحكومة والاحزاب السياسية لندائنا فعلينا أن نشهر أقلامنا لنغسل بها العار ونطهّر بها تاريخ بلدنا.
يروى عن اهل البيت عليهم السلام انهم قالوا ان الله يمهل المذنب بعد ارتكابه المعصية سبع ساعات ليستتغفر ربه فيتوب عليه فان تجاوز ذلك ولم يستغفر أثبت الكرام الكاتبين عليه الذنب لتفريطه وأن أمام أصحاب المسؤولية ونحن منهم فسحة سبعة أشهر ومالم يتدارك الجميع موقفهم وينهضوا بمسؤولياتهم فأن الاقلام سترفع نهاية هذا العام وستجف الصحف ولن يكون لهم ولنا أمام الله والتاريخ من عاذر.

ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كمثال على ذلك فأن عدد المقاعد (الاصلية) التي فازت بها جميع القوائم المتنافسة في كربلاء (معقل المرجعية الدينية العليا) هو سبعة مقاعد فقط من اصل سبعة وعشرين مقعدا وحصلت قائمة السيد رئيس الوزراء منها على مقعدين اصليين فقط مع ان كربلاء هي مسقط رأس معظم قيادات حزب الدعوة الحاليين ومنهم رئيس الوزراء والمحافظ ! أما المقاعد العشرون التي لم يفز بها احد فقد تم توزيعها على الفائزين كمقاعد تعويضية فحصلت قائمة دولة القانون على سبعة مقاعد اضافية (!!) ليكون رصيدها النهائي تسعة مقاعد...فتأمل
!!