الأحد، 22 فبراير 2009

وقفة حساب مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات


هل كانت المفوضية العليا للانتخابات مستقلة ونزيهة؟
المحرج في اجابة هذا السؤال هو الخوف من نكوص العملية الديمقراطية في العراق وتحولها الى وهم وسراب بعد ان اوشكت تكون نموذجا يحتذى به في دول العالم والمنطقة على وجه الخصوص.
فما عدا جمهورية أيران الاسلامية و(اسرائيل) لا تكاد توجد تجربة ديمقراطيه حقة في الشرق الاوسط يمكن التعويل على نزاهتها وشفافيتها مع ان التجربة الايرانية لاترقى باي حال من الاحوال لمستوى ورصانة التجربة (الاسرائيلية).
أن دوامة العنف والقتل التي دارت رحاها على أرض الرافدين لم تهمد او تتوقف هنيهة من الوقت منذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع العشرينات من القرن الماضي والى ما بعد سقوط النظام السياسي لحزب البعث في 2003 ولم يحصل ابناء العراق بعد ركام الجثث وانهار الدم والدموع سوى على وليد يتيم ضعيف البنية قليل المناعة اسمه التجربة الديمقراطية ! وكان الاجدر بولاة امر هذا الوليد ان يتعهدوه بالرعاية والعناية وان يبذلوا في سبيل رعايته الغالي والنفيس كما يفعل الوالدان حتى يشتد عوده ويستقيم قوامه عند ذلك يكون قادرا على رعاية والديه ورد الجميل لهما.
الذي حصل في العراق أننا تعسفنا على هذا اليافع الغض وحمّلناه فوق ما يمكنه حمله وليس لك اخي القارئ الا ان تستعرض في نهاية يومك حصاد الاخبار لتقف على مدى العنف والقسوة التي تعاملت بها كتلنا السياسية مع وليدها الناشئ!
انظر كيف تتعسف القوى السياسية في ليّ عنق الدستور والقوانين والانظمة الداخلية لمؤسساتها من أجل أن تمرر أرادة طرف سياسي لا يرتضي بمرشح الحزب الاسلامي رئيسا للبرلمان؟ وقد سبق لهذا الطرف ان مرر برضى الحزب الاسلامي (المجني عليه حاليا) صفقة من الوزراء مستخدما نفس الاليات التي يرفضها حاليا!
كيف مررّ أخوة الامس – أعداء اليوم قانون تشكيل الاقاليم بمنتهى التعسف في استخدام الاليات الديمقراطية ثم أشكلوا على السيد وائل عبد اللطيف عندما حاول اِعمال هذا القانون لتشكيل اقليم البصرة بل وأستمروا في تسقيطه بتصويره قائدا للردة الشوفينية في العراق ولم يكن للرجل ذنب يذكر سوى تمسكه بالاليات والوسائل القانونية ، بل ولم تقف القوى السياسية (التي شرّعت القانون) عند هذا الحد وأنما استخدموا سلاح المرجعية الدينية (عبر رسائل هاتفية قصيرة) لأجهاض مشروع الاقليم (بغض النظر عن وجهة نظرنا فيه).
لك أخي القارئ ان تتبع وتؤشر حجم التعسف الذي تبديه القوى السياسية عندما تصدمك الضِعة وسوء السلوك السياسي وانت تشاهد ما تبثه اطراف من هذه القوى على موقع اليوتيوب ومواقع اخرى مستهدفة تسقيط منافسيها السياسيين ثم عندما تقف موقف الممعن الممحص تكتشف انك قد أستُغفِلت تماما حين تكتشف ان الذي تشاهده بعينك ما هو ألا عرض مفبرك يستهدف أستغفال الناس والضحك على عقولهم أذ لا يوجد في ما تشاهده دليلا على اي شئ أو ضد الجهة المعنية .
نعم أن القوى السياسية المتصدية لقيادة البلد تتحمل وحدها مسؤولية الضرر الكبير الذي لحق وسيلحق بالعملية الديمقراطية وهي المسؤولة عن وأد هذه التجربة الناشئة وتحولها الى محتوى مفرّغ كما هو حال تجارب الانظمة السياسية في منطقتنا.
وعودا على بدء..فان النتائج الاولية لأنتخابات مجالس المحافظات قد أصابت الجميع بالصدمة والذهول فلم يدققوا أبتداءا في مصداقيتها ومضوا الى التعبير عن روحهم الرياضية في محاولة لامتصاص الصدمة وعبروا عن قبولهم (بالخسارة) واعترفوا للمفوضية العليا للانتخابات بالمهنية وهنأوها على عملها،وما ان استفاقت تلك القوى من سكرتها وصدمتها حتى أكتشفت أن المعطيات الميدانية تفترق عن المعطيات التي اعلنتها المفوضية لاسيما وان المفوضية (وربما بأستشارة خارجية) سارعت الى جدولة الصدمة المتوقعة عبر اعلانها للنتائج بصيغة النسب المئوية (يعني ان نقول للراسب انك راسب دون ان نعلمه درجته) ثم تدرّجت في اعلان النتائج والتي جاءت –وللاسف- وكما يرى الكثير ممن استطلعنا اراءهم ((توفيقية)) وليست ((مهنية)) أو ((واقعية)) !!
ولكي لا يشتط بنا المقال عن المقام فيجب ان نثبت جملة حقائق أعتقد انها من الضروريات :
1. ان الدورة الانتخابية محكومة بمدة زمنية محددة امدها اربع سنوات وهي على أهميتها لا تسأهل أسقاط التجربة الديمقراطية في العراق.
2. ضرورة احترام المؤسسات الديمقراطية –وان أخطأت- لأن سقوط هيبة المؤسسات الديمقراطية سيكون بادرة لسقوط العملية برمتها ومن احترام تلك المؤسسات تحصينها والنأي بها عن التأثيرات السياسية والتدخلات الخارجية.
3. أن السكوت عن الخلل والزلل في العملية الديمقراطية هو مشاركة في جريمة أسقاط تلك العملية بل يجب على كل مخلص رصد وتشخيص حالات الخلل واعلانها وأسنخدام كل الوسائل القانونية والجماهيرية للتصدي لها وهذا سيزيد في مناعة العملية ورصانتها.
4. الحرص الشدبد على دعم العملية السياسية رغم الاخطاء الى ان تؤتي النخلة الناشئة اكلها باذن الله.
ومن منطلق تلك المبادئ نقول اننا شخصنا خللا خطيرا في عمل المفوضية نجمله بالاتي:
1. خضوع المفوضية للضغط والابتزاز السياسي منشؤه انتماء اعضاء مجلس المفوضين للأحزاب السياسية.
2. تأثير ممثلية الامم المتحدة في العراق على قرارات المفوضية ومشاركتها في أدارة وتوجيه الصفقات الانتخابية لجبر كسر الأحزاب (المطيعة) على حساب الأحزاب (المشاكسة ممن حصلوا على نتائج متواضعة).
3. تجاوز مبدأ الشفافية في كل مراحل العمل بدءا من تحديث سجل الناخبين بحرمان عدد كبير من حق الانتخاب مع فسح المجال للمشمولين بالاقتراع الخاص للانتخاب مرة اخرى في مناطقهم الى ضبابية معظم الاجراءات التي يفترض بالمفوضية القيام بها او الاعلان عنها لتنظيم العملية الانتخابية حيث لم يعلم الناس الى صبيحة يوم الاقتراع هل سيكون هناك حظرا لتجوال المركبات ام لا الى طرد كثير من المراقبين من مراكز الاقتراع بحجج واهية الى اعلان النتائج البائس وعدم شفافية التعامل مع الطعون الى التسويات السياسية ...وغيرها الكثير!
لقد شوّهت النقاط اعلاه وما اغفلناه الوجه الذي اردناه ان يكون ناصعا للديمقراطية في العراق وأردنا أن نباهي به دول الاقليم والجوار وأملنا ان يعمل المثقفون وأصحاب القرار وجماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني فضلا عن الاحزاب السياسية للتصدي لظاهرة أنحراف المفوضية العليا للانتخابات وتطهيرها من مكامن الخلل والعمل على أيجاد مفوضية تكون حجرا رصينا في أساس التجربة الديمقراطية في العراق.
أنها دعوة أوجهها لأخواني في العراق الى توحيد الجهود والعمل على نصرة المشروع الحضاري العراقي والوقوف بوجه محاولات تقويض هذا المشروع الناهض.