الثلاثاء، 17 فبراير 2009

صباح البغدادي..وصناعة المقال

بعد سنين من متابعتي لصفحة كتابات أستطيع ان ازعم انه قد اصبح بأمكاني أن أصنف الناشرين على هذه الصفحة الى أصناف توافق ميولهم واتجاهاتهم حتى وان لم يصرحوا بها فالكاتب أما أن يكون صاحب قضية أو مروجا لقضية أو ناقدا لها ولكن الاهم في ما ينشر من كتابات هو محاولة رفع الغشاوة عن عين القارئ ووضعه بصورة الموقف او تنبيهه اليه وقد يقتضي ذلك تعريض القارئ الى صدمة ذهنية تجعله في حالة يقظة وتنبه دون الاستخفاف بعقله وقدرته على التحليل والاستنتاج وهذه بالتحديد حسب رأيي القاصر هي صنعة الكاتب.

انا شخصيا ممن يحترمون كل صاحب قلم يجيد حرفة استخدام القلم في نشر ثقافة او رد شبهة او الأنتصاف لمظلوم أو الترفيه عن مكلوم أو الدعوة الى فكرة أو مشروع وبغض النظر عن انتمائه أو أتجاهه أو تحزبه أواستقلاليته فمع اني صاحب موقف مناصر للعملية السياسية الناشئة في العراق ومن الداعين الى اعطائها الوقت الكافي للنمو والتكامل الا اني أقدر واحترم معظم الزملاء الذين يخالفوني الرأي واتابع كتاباتهم بل وآسف على بعض الطروحات (التي هي بالضد من رؤيتي) عندما لا يحسن الكاتب التعبير عنها أو اخراجها بطريقة فنية ومهنية متقنة.

فمع الكتابة انت تبحر في عوالم من الابداع تجعلك حرا غير موكول الى زمام ألا زمام الضمير..وبدون هذا الزمام فأنت تائه تقود قراءك نحو التيه ليس الا.

وفي هذا الصدد فقد تابعت كتابات السيد صباح البغدادي كشأني في متابعة كتابات الزملاء الاخرين في مقاله الاخير الموسوم (مافيا الفساد في هيئة النزاهة / 7 خفايا وإسرار الهيكلية التنظيمية لعصابات سرقة النفط العراقي التابعة لأحزاب الطغمة الحاكمة) وبغض النظر عن كل ما ساقوله عن فحوى المقال فقد بدا لي السيد البغدادي صاحب صنعة في كتاباته فبدءا من العنوان الطويل الذي يشابه الى حد بعيد أسلوب ماركيز في اختيار عناوين بعض رواياته فأن هيكلية المقال وصياغته تنبئ عن مهارة الصنعة فالكاتب حاذق في وضع قرائه في جو التشكك وأرهاصات المؤامرة (ويبدو ان لخبرته في الارهاب الدولي للحرس الثوري الايراني كما يدعي تاثير كبير في صنعته) وذلك عبر عناوين مقصودة تنقل القارئ الى جو التوقع والتحفز ولكن.. دون الوصول الى حدث الذروة الذي نعيشه عادة في اجواء روايات الاثارة وذلك بسبب فحوى المقال.

كانت نقطة ضعف المقال هي فحواه فقد قرأته بامعان فوجدت ان الكاتب قد كال تهم الفساد الى كل احزاب الدولة العراقية وشخصياتها بلا أستثناء ومضيت في قراءتي لعلي اجد في ثنايا المقال ما اشار اليه عنوانه من كشف اسرار الهيكلية التنظيمية لعصابات سرقة النفط التابعة لاحزاب الطغمة الحاكمة فلم اجد بعد طول العناء شيئا؟!! نفس الكلام المكرور والشخصيات التي لاكتها مقالاته على مواقع الكترونية شتى ولكن وكالعادة.. بدون دليل !! نعم لقد أتحفنا بمؤثر حسي جديد ذلك هو وضعه صورة لشخصيات تعمل في لجنة النزاهة ومفوضيتها وقد وضع عليها تعليقات زادت (مع الاسف) في تهافت المقال وسذاجته وأبعدته عن الواقعية ! كما ان أستهداف الكاتب لرجل معمم كان محاولة تستحق العناء كي يضفي على المقال تاثير الصدمة الذي نوهت عنه سابقا وهذا من أسرار الصنعة كما لا يخفى !

انا وللامانة التاريخية لا اقول بنزاهة الاحزاب ولا الشخصيات التي تناولها الكاتب في مقالاته ولكني وللامانة التاريخية ايضا لا اتهم ايا منهم في امانته او مرؤته ما لم اقدم دليلا يرقى الى مستوى توجيه الاتهام والا سيصبح جهدي عبثا لا طائل منه.

لقد سبق لي قبل بضعة اشهر أن نشرت على صفحة كتابات سلسلة مقالات بعنوان (تهريب النفط العراقي حقيقة ..أم خيال؟) عرضت فيها وناقشت بعض الادلة الاحصائية البسيطة التي تحصلت لي اثناء اعدادي رسالة الماجستير في الأحصاء ، ولم يكن هدفي من السلسلة كما سيتبين لمن يراجعها أثبات أو نفي فرضية تهريب النفط العراقي بل كان همي وهدفي منها هو حث وتمكين القارئ العادي من استخدام عقله مع بعض الادوات المتاحة له (لو أجهد نفسه قليلا في تحصيلها) للوصول الى قناعاته الخاصة دون تاثير خارجي ودون ان اقدم له أستنتاجات جاهزة او املي عليه رأيا يخصني فانا وان كنت من المؤيدين للعملية السياسية في العراق لا افترض ابدا نزاهة السياسيين أو احزابهم وليس لأحد ادعاء ذلك.

على أننا لو تأملنا في مقال السيد البغدادي لوجدناه يتحدث عن دولة تحكمها احزاب فاسدة ويرأسها رجل فاسد وفيها مفوضية نزاهة وبرلمان فاسدان ويقودها وزراء فاسدون واحزاب تمتلك موانئ وتصدر النفط لحسابها وبعلم الرئيس المذكور ومجلس رئاسة الدولة ولكي يجعلنا تحت تأثير جو المؤامرة يسمعنا الكاتب تسجيلا صوتيا لنائب الرئيس (الفاسد أيضا) يوبخ فيه مسؤول النزاهة السابق مع مؤثرات خاصة كذكر أسماء بعض المستشارين والمدراء وكلهم حسب الفرض الاول فاسدون..و..و.... الخ ثم لا يوجد شاهد شريف على كل هذا الكم من الفساد والمصائب سوى رجل واحد يعيش الان في حمى (المحتلين) كما يسميهم كاتب المقال في مقالات سابقة !! ونرجو من هذا الشاهد أن يتكرم علينا بسرد الخفايا التي نوه عنها عنوان المقال !! فتأمل !!

وقد ذكرت في سلسلة مقالاتي التي أشرت اليها آنفا حادثة تدل على قلة خبرة السيد راضي الراضي في مجال تدقيق صحة المعلومات فارجو المراجعة وهي منشورة على مدونتي الالكترونية المتواضعة المبين عنوانها في اسفل المقال.

أن تعلم الصيد خير من الصيد نفسه كما يقول المثل وأن الواجب الاخلاقي والمهني يملي على جميع المثقفين واصحاب الاقلام الحرة ان يعينوا القارئ على التفكير والتحليل والاستنتاج لا ان يلهموه قناعاتهم ونحن لن نجني من التعمية أو تشويش ذهن القارئ بالايحاء اليه بان ملايين الدولارات تسرق من نفط العراق وبان الحكومة لا هم لها سوى السرقة وقضاء ليالي المجون داخل المنطقة الخضراء سوى دق اسفين وتعميق الهوة بين المواطن وحكومته مما يعني مزيدا من الدماء التي تسيل في الشوارع فماذا لو كان الادعاء برمته اكذوبة أبتدعها عقل كاتب له موقف شخصي أو سياسي من الاحزاب أو من العملية السياسية التي تجري في العراق الجديد؟!!

أنا ادعو القراء الكرام الى التثبت قبل الحكم والبحث عن الدليل فيما يقال وينشر فأن عراقا حرا آمنا مزدهرا هو امل يراد لنا جميعا أن لا نعيشه وحلم يراد لنا ان نستفيق منه فأجمعوا امركم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة فأن الله تعالى امرنا بالتثبت ونهانا عن الظن فهل نحن منتهون ؟

لقد كان مقال الاستاذ البغدادي مع شديد ألاسف متين الصنعة قليل البضاعة أو كما عبر المثل القديم كان كرحى تطحن قرونا .