الخميس، 1 مايو 2008

مثقفون وتكنوقراط

يبدو ان ولعي بمتابعة الاخبار والتحليلات السياسية والاقتصادية ومجمل النشاطات المتعلقة بالحكم والحاكمين اوقعني في مطب لا احسن التملص منه ذلك هو الحيرة في تحديد تعاريف بعض المصطلحات التي يرد ذكرها على الشاشة الصغيرة من قبل السيدات والسادة المشاركين في تلك البرامج .
لقد لفت نظري كثرة الحديث عن الثقافة والمثقفين وتهميش دور المثقفين في العملية السياسية الجارية في العراق كما لفت نظري تكرار القول بضرورة تشكيل حكومة من التكنوقراط وان الحل الامثل لمشاكل العراق هو العمل بمبدأ تسليم مؤسسات الدولة للتكنوقراط فمن هو المثقف ومن هو التكنوقراط؟
وبهدف عدم اشغال بال القارئ الكريم الذي اعرف يقينا انه ليس بحاجة الى مزيد علم وفهم لتعريف هذين المصطلحين لغويا وواقعيا فانني اتساءل وبمنتهى البساطة اذا كان المثقفون مهمشون في العملية السياسية فمن هم الذين يقودونها؟ واذا كان التكنوقراط مبعدون عن مؤسسات الدولة فمن هم الذين يديرونها واين يوجد التكنوقراط الان ..في بيوتهم ام في مكان اخر؟
ايها القارئ الكريم ..ما لم يكن لك موقف مسبق من العملية السياسية فارجو ان تتمعن في رأيي المتواضع والذي يسعدني كثيرا ان تقومه وتنبهني الى ما غفلت عنه ان لم توافقني عليه.
من الصعب تحديد مصداق محدد لمصطلح المثقف فكل مبدع او صاحب نتاج معرفي في مجال من مجالات المعرفة هو بالضرورة مصداق للمثقف ومن هنا فان سلفادور دالي ونيتشه والفارابي وشوبنهاور وابن المقفع ولوركا ورامبو هم بالضرورة مثقفون ومبدعون لكننا لو تمعنا في سير هؤلاء الافذاذ ودرسنا سلوكياتهم لوجدنا انهم يصلحون للفن والشعر والفلسفة لا للعمل السياسي لانهم وببساطة (مثقفون) لا (سياسيون) ، فدالي كان يعيش في عزلة عن العالم في صومعة جبلية لا هم له الا الرسم السوريالي وشوبنهاور كان متشائما الى درجة ان نتاجه الفكري وصف بالفلسفة المتشائمة وانشغل المعري بهمه عن هم الناس وهكذا من سواهم.
ومالم يكن التكنوقراط سياسيا فانه لن يصلح لاشغال منصب سياسي لانه لن يكن عندئذ (تكنوقراطا).
اخلص مما تقدم الى القول اننا فهمنا او هكذا ارادت لنا ماكنة الاعلام ان نفهم المعادلة بشكل مقلوب ، فنحن لا نحتاج الى مثقفين او تكنوقراطا لشغل المناصب السياسية بل نحتاج الى ساسة مثقفون وتكنوقراط وهذا فرق كبير لمن يتمعن.
كما اننا في المقابل نحتاج الى مثقفين دينيين ومثقفين سياسيين وتكنوقراط اداريين واقتصاديين لمراقبة وتقويم اداء القادة السياسيين.
ان الهدف الواضح من قلب المعادلة هو استهداف اصل العملية الديمقراطية في العراق من خلال التحشيد والتحشيد المضاد واستعداء المكونات على بعضها لخلق حالة التضاد الهدام بينها بدل حالة التضافر والاسناد البناء لان استبدال السياسيين غير المثقفين وغير ذوي الاختصاص بتكنوقراط ومثقفين غير سياسيين سيبقي معادلة الخراب قائمة.
لقد كان الفن على مر العصور مرآة للجمال كاشفا عنه كما كان القلم على مر العصور دالا على الخير داعيا له كاشفا عن الشر ناقدا له وكان النتاج الثقافي مرشدا للسلطة مقوما لنظام الحكم داعيا المجتمع الى الفضيلة نابذا للاحتراب محافظا على النظام العام.
المثقف هو صوت الحق الذي يمكن ان لا يستجاب له لكن لا يمكن الا ان يكون مسموعا والتكنوقراط هو الرقيب على الاداء والمستشار الذي يمكن ان لا يستجاب له ولكن لا يمكن الا ان يكون مؤتمنا.
ان وجود بعض الجهلة واشباه المتعلمين وبعض سارقي المال العام على رأس السلطة او في مفاصل الدولة المختلفة لا يفرض علينا تغيير المسار عن بوصلته لان الظرف الراهن ظرف زائل متى ما اصررنا على مسارنا الصحيح وتنبهنا الى بعض المشاريع التي يراد منها عودة الدكتاتورية من خلال الاقطاعيات (الاقاليم) الخاضعة لحكم العائلة و تكريس سلطة الحزب الواحد او الحزب القائد وصنمية الشخص او التبعية السياسية والاقتصادية لهذه الدولة او تلك، ومن هنا فان دور المثقف هو المجاهدة في التنبيه والاشارة الى مكامن الخطر وترشيد الرأي العام والعمل على ايجاد البديل الموضوعي والاهم من كل هذا وذاك تثبيت المسار على بوصلة التغيير نحو الحرية .