الأحد، 1 يونيو 2008

تهريب النفط العراقي حقيقة..ام خيال2


من غرائب اللغة العربية ان كلمات قليلة الحروف تكون كبيرة المعنى مثل (أم , أب , أخ , حب , موت...الخ) ومن هذه الكلمات كلمة (نفط) فهي قليلة الاحرف لكنها عظيمة المعنى فما المقصود بهذه الكلمة .
طبعا انا هنا لا اقصد الحديث عن ذلك المركب الهيدروكاربوني الذي اعتصرت الطبيعة اثداءها لالاف السنين كي تلقمنا اياه ولكني اقصد من الناحية الاقتصادية ما الذي ينصرف اليه الذهن حينما نقول (نفط)او ((oil بالانكليزية .
خبراء الاقتصاد والطاقة يميزون بين مكونين كلاهما درجنا على تسميته بالنفط الاول هو النفط الخام وهو هبة الطبيعة الذي نستخرجه من باطن الارض والثاني هو المشتقات النفطية اي المكونات الخفيفة التي تنتج من عملية التصفية والمعالجة لمادة النفط الخام وهي كثيرة جدا منها على سبيل المثال لا الحصر (البنزين,الارتي او بنزين الطائرات,النفثا,زيت الغاز,النفط الابيض )وغيرها كثير.
ان المائز الاقتصادي بين النفط الخام والمشتقات النفطية هو ان الاول يعتبر (رأسمالا) او بعبارة اخف وطأة يعتبر سلعة استثمارية تساوي قيمته ما يساويه عدله من الدولارات أما المشتقات النفطية فهي سلع استهلاكية تباع وتشترى لغرض الاستهلاك كالشاي والسكر والدقيق ونحوها, ولهذا السبب فان النفط الخام مطلوب من قبل عمالقة المضاربين في السوق وهناك الاف المعقبين العالميين ذوي الخبرة الفائقة وظيفتهم التحري عن وجود كميات من النفط الخام هنا او هناك لغرض المساومة عليها وشرائها لاغراض المضاربة السوقية اما المشتقات النفطية فهي مطلوبة حصرا من المستهلكين .
ان المضاربة بالنفط الخام خارج السوق الاقتصادية العالمية المعروفة (اي باسلوب التهريب ) تؤدي الى حدوث خسائر كبيرة وتلحق اضرارا عظيمة بمصالح المستثمرين الكبار لان المهربين يبيعون هذا النفط باسعار تقل عن اسعار السوق العالمية وبذلك يربكون اسعار الاسهم في سوق المضاربات المالية مما يؤدي الى تراجعات يمكن ان تسبب خسائر فادحة وتطال هذه الخسائر الدول الصناعية الكبرى التي سبق لها ان تعاقدت على شراء كميات من النفط باسعار معينة فضلا عن استخدام رؤوس الاموال تلك في تمويل العصابات والمتمردين وتجار الاسلحة طالما كانت اموالا خفية غير منظورة .
ولمعلومات القارئ الكريم فان التعاقد على شراء كمية من النفط الخام يجري قبل موعد التسليم بحدود ستة اشهر وان الاسعار تحدد وفق معادلة سعرية معروفة لدى شركات التسويق ومنها طبعا شركة تسويق النفط الوطنية العراقية (سومو) ولهذا فان بيع وشراء النفط الخام رسميا يجري تحت ضوء الشمس ولا مجال للتلاعب في اسعاره لان الاسعار معلنة ومتفق عليها عالميا.



بعد استعراضنا لتلك الاجراءات التي ربما لا يعرفها الكثير من القراء او يسمعون بها لاول مرة قد يتبادر الى اذهانهم سؤال مفاده لماذا تكون عمليات بيع وشراء وتسعير النفط الخام واضحة بما لا يدع مجالا للتلاعب بعكس معظم الصفقات التجارية؟
وللاجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من ان نوضح جملة حقائق تتمحور حول مبدأ واحد وهو ان نقصا في امدادات الطاقة العالمية هو امر يضر البلدان المنتجة والمستهلكة للطاقة على حد سواء ولهذا السبب فان نقص امدادات الطاقة مما لا يسمح به النظام العالمي ولتحقيق الرقابة والضمانات على عدم حصول مثل هذا النقص فان عددا من المؤسسات قد تم استحداثها (احدها منظمة الاوبك) وان جملة من القوانين والانظمة قد تم تشريعها وعدد كبير من مراكز البحوث والدراسات قد تم انشاؤها تتخصص في دراسة مصادر الطاقة وكلف استخراجها ونقلها وفترة بقائها وزمن نضوبها وغير ذلك الكثير ولعل حجم الاحتياطيات من النفط في بلداننا من الشائعات في الاوساط المختصة عالميا اذ يبلغ الاحتياط المعلوم من النفط في العراق (115) مليار برميل قابل للزيادة الى ما يعادل ثلاث اضعاف هذا الرقم كما صرح السيد برهم صالح مؤخرا.
ان القدرة الانتاجية لكل دولة من الدول المنتجة للنفط معروفة كما ان عدد المصافي التي تستهلك النفط الخام في العالم وطاقتها الاستيعابية معروفة ايضا لذا ووفقا لهذه المعادلة البسيطة فان الدول المنتجة تنتج فقط ما يلبي حاجة المصافي العالمية مع هامش قليل من الاحتياط تحسبا للظروف القاهرة وهي تحدد انتاجها بهذه الكيفية للمحافظة على اسعار النفط ضمن مستوياته المعقولة او ما اصطلح عليه لاحقا بحدود الاسعار العادلة ( within fair prices).
ولهذا السبب فحينما تجاوزت اسعار النفط 116 دولارا للبرميل الواحد ضغطت الولايات المتحدة على الاوبك كي تزيد انتاجها فكان جواب الاوبك لازيادة في الانتاج لاننا ننتج ما يغطي الطلب العالمي على النفط اما الزيادة في اسعاره فهي ناتجة عن المضاربات السوقية وهو جواب دقيق غاية الدقة .
خلاصة هذا المقال ان الطلب العالمي على مادة النفط الخام معروف ويساوي مجموع القدرة الاستيعابية للمصافي العالمية وهي مصاف معروف عددها ومعروفة طاقاتها الاستيعابية.
وان انتاج النفط الخام يتم وفقا للطلب العالمي فقط ولا اجتهاد للدول المنتجة في تحديد سقفه (عدا بعض الخروقات اليسيرة والتي يتم اكتشافها في الغالب ) وان تسعيرة النفط الخام معروفة ومعلنة وتنشر في النشرات العالمية على مواقع الانترنت ومنها نشرة بلات فورم .
كانت تلك مقدمة ضرورية ندخل بعدها بمشيئة الله في ما يخص العراق من النشاط النفطي لنترك القارئ اللبيب يحكم بنفسه على صدق مقولة التهريب من كذبها وسيكون مقالنا القادم عن العدادات التي اربكت الاوساط الحكومية شارعنا العراقي بالحديث عنها ولنا معكم لقاء قريب باذن الله تعالى .

ملاحظة هامة: لكي لا يفهم القارئ الكريم من فحوى المقال ان تعاقدات بيع وشراء النفط الخام تخلوا تماما من الفساد فلابد من توضيح حقيقة أن أجراءات تسعير وبيع النفط الخام تعني بالضرورة عدم امكان بيع كميات اكبر من المتعاقد عليها لكنها لا تعني بالضرورة عدم وجود عمولات او رشا بين وسطاء الاطراف المتعاقدة وهناك موارد اخرى للفساد لا تتعلق بمضمون هذه السلسلة من المقالات فلا مجال لذكرها.